التنكر للديمقراطية... حرصاً على الحرية!
ألقى الرئيس الأميركي جورج بوش خطاباً أمام الكونجرس، وفيما يلي بعض المقتطفات مما ورد فيه، مقروءة كما فهمتها في نصها المنقح من وجهة نظري: "علينا أن نتذكر ونحن نحتفل في هذا اليوم بالحكمة الراسخة التي أرساها دستور بلادنا، أن الدستور ليس بالضرورة أن يكون صالحاً مع الجميع، لأنه ليس وصفة واحدة تلائم الكل. فقد دفعتنا الأحداث الحالية وكذلك إحساسنا العام إلى التوصل إلى نتيجة واحدة هي أن بقاء الحرية في بلادنا يتطلب قهر الحريات في دول أخرى. وكان قد عنّ لي يوماً أن والدي لم يكن محقاً ولا حكيماً في احتضانه للطغاة وتوطيد علاقاته بهم، على طريقته الخاصة في التضحية بقيم الحرية من أجل الحفاظ على استقرار تلك الدول. غير أنه أصبح لزاماً عليّ اليوم الاعتراف بأن أبي كان في غاية الحكمة والفطنة في سياساته تلك. وعليه فقد خطر لي وأنا أتحدث هاتفياً ليلة البارحة مع الجنرال الباكستاني برويز مشرف أن أفضل وأقصر الطرق لبسط الأمن والسلام والاستقرار في العالم، هي توسيع شبكة الطغاة فيه. كما خطر لي أيضاً أن قيمنا ومثلنا الخاصة بالحرية تميل عادة إلى التعاطف مع المغلوب والضعيف. إلا أنه من الواجب أن تفسح تلك القيم والمثل مجالاً للتعاطف مع الأقوياء. وفي بعض الأحيان فإنه يتحتم علينا الإصغاء جيداً لما تقوله روح أمة ما من الأمم. لكن ما أن تتقمص هذه الروح حفنة مارقة من القضاة والمحامين الذين لا يتورعون عن انتقاد صديقي الباكستاني "مشرف" ويطلقون عليه أقذع الشتائم والألفاظ الجارحة، حتى تجدني معارضاً لروح تلك الأمة وواقفاً إلى جانب صديقي في قمعهم وضربهم بالسياط والهراوات وإدماء عيونهم بالغاز المسيل للدموع ومنعهم من مزاولة مهنتهم، بل وحتى تعذيبهم. والواجب أن يكون المكان الطبيعي لهؤلاء المحامين هو أقبية السجون. كيف لا وقد حدثني "مشي" أنهم عازمون على تمثيل أسامة بن لادن والدفاع عنه، حين تلقي السلطات الباكستانية عليه القبض وتقدمه للمحاكمة، مع إمكانية حدوث هذا في أي وقت طالما أن لـ"مشي" لساناً لا يكذبه قط.
كما أنني لا ألوم صديقي الجنرال الباكستاني على حله للمحكمة العليا في بلاده، وأنا الذي وجدت كل التأييد والمساندة من المحكمة العليا في بلادي، ما أن عقدت العزم على عرقلة وتخريب النظام الديمقراطي في بلادي عام 2000. وبالقدر نفسه فإن عزل كبير القضاة الباكستانيين وإجراء فرض الإقامة عليه، يبدو من أصوب القرارات وأكثرها إراحة للبال من وجهة نظري، خاصة إذا ما كانت له في بيته وسادة ناعمة من ريش النعام يتكئ عليها طوال اليوم. بل أعتقد أنه يلزم "مشي" وضع منافسته وخصمه بينظير بوتو هي الأخرى تحت الإقامة الجبرية في كراتشي. فهي ليست في نظري شيئاً أكثر من كونها مغناطيساً جاذباً لأعمال الفوضى والخراب السياسي. كما أنها ماكرة ومتناقضة، فهي تارة تغض الطرف عن أخطاء "مشي" وهفواته، بينما نراها تارة أخرى وهي تأسى لها وتستحي. ولذلك فإنه يصعب على المرء أصلاً إيجاد اللقب الصحيح الملائم لشخصيتها.
ورغم اتفاقنا – شخصي ومشي- من اليوم الأول الذي تعارفنا فيه على الدعوة لمبدأ الحكم الذاتي، بناء على إيماننا العميق بأنه ليس هناك من سيد ولا عبد بيننا... إلا أنني رأيت ذاك السيد ما أن نظرت ملياً إلى عين وروح صديقي "مشي" وهو يقف معنا كل هذه الوقفة في حربنا على الإرهاب الدولي. وإنكم لأذكى من أن أقول لكم إنه يتعين علينا أن نحارب الإرهاب بسلاح الطغيان أحياناً. وقد وعدني "مشي" بأن يلتزم التواضع وعدم الإسراف في كونه "ديكتاتوراً" وأن يكف عن ارتداء بزته العسكرية المخيفة... على الأقل حين يمارس هواية لعبة التنس.
ومن خلال تجربتي هذه مع الجنرال، فقد أيقنت أنه أصبح لزاماً على سياسات أميركا وفي مقدمة واجباتها وأولوياتها، أن تدعم نمو الحركات والمؤسسات الديكتاتورية لدى كافة الأمم والثقافات، سعياً وراء قبر الممارسة الديمقراطية مرة واحدة وإلى الأبد، حرصاً على نماء الحرية واستدامتها.
كما ينبغي علينا التحقق من النوايا والدوافع الأخلاقية لكل قائد من قادة الأمم التي نتحالف معها مستقبلاً. وسوف يكون لزاماً على ذلك القائد أن يختار بين أمرين لا ثالث لهما: إما الطغيان الذي أثبت جدواه ونجاحه كما نرى في العديد من الدول الحليفة لنا في المنطقة الشرق أوسطية، أو الحرية التي لا نرى إلا خيبتها ونعترف الآن بعدم قدرتنا على تحقيقها في العراق.
وجاهل من ظن أن للنفوذ الأميركي سقفاً أو حداً. لكن في حالة الطغاة، فمن أسف أن هذا التحدي السافر من قبل الجنرال مشرف للإرادة الأميركية والدولية، إنما يهز النفوذ الأميركي ويقوضه علناً. غير أننا سوف نستخدم كل ما تبقى لنا من عزم ونفوذ في التظاهر بأن المعارضين السجناء يعشقون البقاء أسرى القضبان والزنازين، وأن من طبيعة النفس البشرية وفطرتها، التطلع إلى العيش في ظل القهر والطغيان. وقد أشرقت شمس اليوم الذي تعيّن فيه على كافة الأمم التي تعيش في ظل هذه الظروف أن تأمل بالديمقراطية؛ لأن الولايات المتحدة الأميركية سوف تغض الطرف عن معاناتها وقهرها، بينما تجد كل الأعذار والمسوغات لجلاديها وقاهريها. فذلك هو شرط بسط الحرية والسلام في عالم اليوم"!
مورين داود
كاتبة ومحللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"